Thursday, September 20, 2007

بعد الطوفان (4)

النماذج المعرفية (لزوم ما يلزم)

بعد الحديث المقتضب عن النموذج المعرفى الاسلامى , بقى ان نشير الى بعض الاختلافات التى تفصله عن النموذج المعرفى الغربى وهو ما ليس بالضرورة مقياسا لتفوق احدهما على الاخر ولكنه اختلاف نابع من التصور عن الاله والكون والحياة والانسان والهدف من هذا كله. وساحاول هنا الاشارة الى اهم نقاط الخلاف التى اراها

  • النموذج المعرفى الاسلامى يرى ان الاسئلة الكبرى: من انا؟؟ وماذا افعل فى هذا الكون؟؟ وما الذى سيحدث غدا؟؟ يراها اسئلة اولية تجب الاجابة عليها قبل الخوض فى اى شىء, وبالطبع فانه يستقى اجابات هذة الاسئله من الدين او الوحى, وكون الشخص مسلم فهذا معناه انه اقتنع بعقله وآمن بقلبه بما اخبر به الوحى... ثم تجد المسلمين بعد ذلك يبنون على ما قد سبق فى شتى الاتجاهات, فمثلا عند طرح قضية كزرع الاعضاء ونقلها تجد الامر لا يتم مناقشته طبيا وحسب ولكن يتم ايضا مناقشته من خلال ما قد تم التوصل اليه فلسفيا او عقائديا او دينيا........ ولكن على النقيض من ذلك فان تلك الاسئلة الكبرى فى النموذج المعرفى الغربى هى اسئلة نهائية, اى انه ليس بالضرورة الاجابة عليها اولا بل ان الهدف من رحلة الحياة هو البحث فى ذلك, وذلك بعد ان انتصر العلم فى معركته مع الدين عندهم, ووضع حدا لفرض السلوكيات والممارسات والتصرفات على الفرد والمجموع بالقوة بسبب اعتقادات, فتم تنحية الاعتقادات الدينية فى هامش الحياة الشخصية حتى لا تضر بالحياة العامة كما اضرت من قبل, واصبح الايمان هو الايمان بالوجود المادى المحسوس القابل للبحث والقياس.. ولذلك قد تجد فى بعض المدارس الفلسفية الغربية من قد اسقط مبحث الالوهية باعتبار انه غير علمى -وهذا نقيض لمثال زرع الاعضاء, وانما قد جمعتهما لبيان الاختلاف-
  • النموذج المعرفى الاسلامى يؤمن بمرحلية الحياة.. اى انها مرحلة او حلقة وتفضى الى الدار الآخرة حيث الثواب والعقاب... وتتضاءل قبمة الحياة الدنيا امام الاخرى بالطبع, وقد افرز هذا المفهوم الكثير من النتائج فى الممارسات الاجنماعية والسياسية بل وقد امتد الى البنيان.. حيث تجد صبرا رهيبا على الظلم وتحمل فوق العادى للطغاة, وفى البنيان لاتجد هذا العدد من قصور العائلات الحاكمة التى تجدها فى الاثار الاوروبية الباقية, ولكن تجد بدلا منها الجوامع والقلاع....... اما النموذج المعرفى الغربى الذى لا يؤمن بالحياة الاخرى وان كان لا ينكرها -اخذا فى الاعتبار وجود من ينكرونها فعلا وايضا كونهم مسيحيين تقول عقيدتهم بوجود حياة اخرى ولكن ذلك واقع ممارساتهم على مستوى المجموع- فان النموذج الغربى حريص على الزمن بمعنى اللحظة التى تعلو على التاريخ, ويتجلى هذا فى كثير من جوانب حياتهم كالايقاع السريع جدا للحياة -حتى يوصف الشرق بجانبه بالشرق النائم- وايضا تحويلهم قيمة الزمن الى قيمة مادية, حتى استغلال اوقات الفراغ كصناعة رائجة -افلام هوليود- وايضا المسالة الشائكة, فوائد البنوك التى تحسب قيمة النقود بمرور الزمن حرصا على تحقيق اكبر قدر من المنفعة فى اقل وقت ممكن من الزمن
  • النموذج المعرفى الاسلامى يؤمن بالمقدسات وهو ما لا يؤمن به النموذج الغربى, وسوف اضرب هنا امثلة تعتبر متطرفة او خارجة عما يؤدى اليه العقل السليم والفطرة ولكنها توضح كل التوضيح الاتجاهين المتضادين الذين ذهب اليهما كل تطرف,, فالايمان بالمقدسات واقدسها الله الذى خلق كل شىء باحكام, وقدر كل شىء تقديرا, قد انسحب تدريجيا الى الطغاة الذين تستروا بالدين, فلم يستطع الجهلة من العوام وهو السواد الاعظم التفريق بين (جل جلاله) وجلالة الملك او بين (المنعم) وولى النعم او بين من (لا يسال عما يفعل) والمسئول الذى اصبح غير مسئول او بين (الحكيم) وصاحب القرارات الحكيمة الخالد الى الابد..... اما النموذج المعرفى الغربى فقد تطرف فى اتجاه اخر حيث لا يؤمن بقداسة الله ولا الانسان - الذى اعطاه الاسلام جزءا من القداسة لقدسية وحرمة الروح وكل ما خلق الله القدوس ولانه خليفة الله المكلف بالاوامر والنواهى- ولكن النموذج الغربى لا يؤمن بذلك فكان التطرف منه ان اعلن موت الاله -هيجل ونيتشه- ثم موت الانسان ونهاية التاريخ -فوكوياما- فكان ما كان من اخضاع الانسان للتجارب الامبريقية فى المعامل, واعتبار الانسان والكون مادة استعمالية للمنفعة لا حرمة لها ولا قداسة, بل قد تنفق الملايين من الاموال على قطة او كلب مما لا ينفق على مشردى الحروب والفيضانات وضحايا المجاعات والاوبئة من البشر ناهيك عن الاسلحة الغير عادية والقنابل الذرية,,,, وكما قلت مقدما فانى اضرب من الامثلة المتطرفة كى ما اوضح التباين, ولكنها ايضا امثلة واقعية
  • الحقوق فى النموذج المعرفى الاسلامى تنقسم الى حقوق الله وحقوق العباد, اما فى النموذج المعرفى الغربى فهى حقوق المجتمع والحقوق الخاصة... والمثالين المتناقضين فى هذا هما الزنى والقتل, ففى النموذج المعرفى الاسلامى فان الزنى تجاوز لحدود الله - الحدود بين الحلال والحرام- ولذلك يستوجب توقيع العقاب والله هو الذى يغفر هذا الذنب, اما القتل فهو اعتداء على حق المخلوق فى الحياة. ولوليه ان يطالب بالقصاص او يقبل الدية او يعفو ويسمح.. ومن ذلك فان الزنى الذى يهدد كيان الاسرة التى هى وحدة بناء المجتمع المسلم هو جريمة فى حق الله وتجاوز لحدوده لا يجوز التساهل فيها,, اما القتل فانه يهدد استقرار وامان المجتمع ولكن اذا عفى ولى القتيل او قبل الفدية فقد تم حفظ استقرار المجتمع وامنه, والمقتول والقاتل يختصمان عند الله فلانحن نستطيع احياء الموتى ولا رد حقوقهم........ اما فى النموذج المعرفى الغربى فالزنى مجرد فعل يقع فى دائرة الحياة الشخصية التى تسودها الحرية المطلقة فبالتالى هو ليس بالجريمة فهو لا يهدد المجتمع فليس للاسرة عندهم القيمة التى تاخذها عندنا,, اما القتل فهو اعتداء على حرية الاخر -عندنا هو اعتداء على حق المخلوق- فى الحياة, وبما ان الحرية هى قيمتهم الاسمى فهو اعتداء على سائر المجتمع وبالتالى لا تهاون فيه

كانت هذه بعض نقاط الاختلاف الجوهرية والتى تسبب افراز مفاهيم مختلفة فينتج عنها قيم مختلفة وفى النهاية افعال مختلفة

3 comments:

Bahz.Baih said...

عزيزى توهان
أولا احب أقولك ... بلوجك جامد كيك يا مان

ثانيا تعليقاً على بعد الطوفان واحد و اتنين و تلاته و اربعه
فى بعض الاحيان حسيتك فيلسوف و فى البغض الأخر لقيتك بتنقل كلام قديم جداً.. مش معن كده ان ده وحش ... بس حبيت اقول ده
اللى انا شايفه مشكلتنا هو الفقه اللى انت بتعتبره من العلوم النقليه مع انه علم عقلى و نقلى حسب نظريتك و خلينى استفيض شويه عن مشكلتنا من وجهه نظرى بشكل اوسع
الفقه علم بيحدد علاقات الافراد و بعضهم فى المجتمع المسلم بدليل فقه المعاملات و علاقه الفرد بالله
فى جزئيه علاقه الفرد بالله مالناش فيها يد و لا تفكير علينا فقط ننفذ اللى هو بيأمر بيه
و لكن نيجى لعالقه الأفراد ببعض... زمان كان العلماء بيفتوا من أجل المصلحه و مصلحه المجتمع المسلم هى الاساس ... و فى الغرب علشان مصلحه المجتمع طوروا علوم الاجتماع اللى بدأناها و على اساسها وضعوا القوانين
و لكن احنا فضل العلماء بنفس مستوى العلم فى مجال الأجتماع من ايام ابن خلدون و مدرسوش تطوره
مع انهم لو بيدوروا على المصلحه العامه كانوا وصلوا لنتائج قد تكون مختلفه كماً و كيفاً عن اللى هم بيقولوا عليه دلوقتى
مثلا قضيه الاختلاط... دراسات كتير عن سلوك التلاميذ فى المدارس المختلطه بتأكد أن الاحتلاط فى المدارس بيزود الاحترام و الفصل بين الجنسين بيؤدى الى ظهور حالات شاذه كتير
و لككن لأن الاختلاط معناه وضع شبهه الزنا كان الحكم بأن يتم فصل القوات
وطبعا محدش يرضى بالزنا بس هما جم يكحلوها عموها و بدل ما يحلوا مشكله حطوا مشكله تانيه أكبر
و الامثله على جهل العلماء فى الافتاء كتير ... بس مش هو ده بيت القصيد
بيت القصيد اننا محتاجين اعاده دراسه جاده للفقه فى ضوء علوم الاجتماع يقوم بيها نخبه من العلماء و يطلعوا فتاوى متستمدش قوتها من قهر الدوله قد انها تستمد قوتها من احترام الناس لمكانه العلماء دول
و الاحترام ده بيجى بالحريه... بمعنى نخللى الازهر هيئه مستقله ليها نظامها الداخلى و بالانتخاب
يااه انا سرحت جامد بس الموضوع بتاعك ده بيحفزنى على الكتابه
ياريت تقرا عندى سلسله الضوء فى أخر الماسوره
تحياتى و الى لقاء

الحمد لله said...

عزيزى بهظ بك,,
اولا احب اوضح نقطة بسيطة يمكن انا اشرت ليها فى بوست بعد الطوفان الاول وهى ان معنى العنوان نفسه بعد الطوفان اننا بادئين نبنى من الصفر.. من لا شىء.. يعنى بصراحة انا شايف ان كلامك عن مؤسسة الازهر ولااحترام اللى بيجى من الحرية يعنى كلام مش فى محله لان القيم والمؤسسات اللى فى المحتمع كلها صورية بدون دور فعال
ثانيا انا ارى ان مشكلتنا الكبرى فى العقيددة التى هى قبل الفقه.. العقيدة هى الفلسفة, واى مجتمع لابد له من فلسفة تحكم حياته وتحدد اهدافى وتنشا منها قوانينه ونظامه الاجتماعى,,لذا فتوقع عند غياب الفلسفة اة العقيدة وتخبطها توقع الفوضى العارمة التى نعيشها الان...كتشبيه بسيط العقيدة والفلسفة هو الطابق الاول بينما الفقه هو الطابق الثانى الذى يستحيل باؤه بدون وجود الطابق الاول.... وصلت؟؟ الفقه زى مانت بتقول بينظم علاقة الافراد المسلمين بالمجتمع وبربنا بس قبل كده لازم يكون هما اساسا عندهم الاحساس بالانتماء لكيان يجمعهم اسمه الاسلام
وثالثا واخيرا احب اوضح رايى الشخصى بان العلوم الاجتماعية والانسانية لا تتطور بالمعنى التقليدى ولكن ممكن تقول تتراكم بس فى النهاية لاتختلف كثيرا لان الانسان هو هو فى كل زمان ومكان بنفس الدوافع والاهداف

Bahz.Baih said...

يمكن ده هو بيت القصيد فى الأختلاف فى أرائنا
انا متفق مععاك فى أهميه الفلسفه . بس المشكله علشان يحصل التغيير لازم الناس تلمسه تشوف ياترى ايه هو تأثير الفلسفه
بص اتفقنا او اختلفنا على الاخوان المسلمين ... هما بيغلطوا غلطه شنيعه ان كل دعايتهم قايمه على فلسفه بس من غير ما يوضحوا ياترى تأثير دى العملى على المجتمع عامل ازاى
فاهمنى و لا تايه
انا تقريبا بقيت أومن بأن لازم يبقى فى نوعين من الخطاب واحد للنخبه علشان يرتقى بيها و ده فى أصله خطاب فلسفى و واحد تانى للعامه و ده عملى بيقول بص هيبقى فى واحد اتنين تلاته... حاجه كده زى الفرق بين التلفزيون و الكتاب ... الكتاب علشان اللى عنده تخيل يقرا و يتصور و يشغل دماغه ... اما الافلام للى عايز القصه من الأخريشوفها من غير ما يفكر ... انا مقتنع ان خطاب الناس بيعانى من ضعف واضح أكتر من الضعف اللى بيعانيه الخطاب الفلسفى
و دمتم